Roll Up, Roll Up for a Magical History Tour
أنتم على موعد مع جولة تاريخية تعبق بالسحر على امتداد سواحل منطقة ظُفار.
بخلفية تاريخية تشمل شخوصاً من التوراة والقرآن، ومستعمرات عامرة موّلتها تجارة البخور المربحة في الماضي، تنبض هذه البقعة من عُمان بحيوية ألوان مهيبة.
أتواجد حالياً في أبعد نقطة إلى جنوب البلاد لأقتفي أثر تجارة اللبان في شبه الجزيرة العربية.
ولكن ذلك الراتنج العطري الذي يُلقّب باسم “ملك البخور” لم يحتفظ بقيمته الاقتصادية التي تمتّع بها في قديم الأزمان. إلا أن حضوره لا يزال بارزاً في الروح العُمانية، وهو أمر نلمسه عند زيارة جناح عُمان في معرض إكسبو دبي 2020. فتصميم الجناح العُماني مستلهم من نبتة “البوسويلية المقدسة”، وهي شجرة يتم حصد الراتنج الثمين منها. أما محتوى الجناح، فيُظهر كيف ساهم اللّبان في التطورات العُمانية على مستوى النقل والمعرفة والاستدامة والتصنيع والاستكشاف، بالإضافة إلى نسج أواصر علاقات صداقة تجاوزت الحدود وتخطّت حواجز اللغة.
يُنظر إلى أشجار اللّبان باعتبارها العبق الأساسي في العطور والبخور. (الصورة بعدسة جيوفاني بوكاردي)
شكّلت ظفار مركز إنتاج اللّبان العُماني لآلاف السنوات. تنمو الأشجار من صنف البوسويلية بشكل حصري في الحزام المناخي الضيّق الممتد من القرن الأفريقي وصولاً إلى الهند وأجزاء من جنوب الصين. وتشكّل الصومال واليمن وإرتيريا منافسين مهمين. ولكن يؤمن الخبراء بأن منتجات ظفار من اللّبان هي الأفضل جودة في العالَم.
وحالياً، تُشكّل أشجار اللّبان في هذه المنطقة، وعلى امتداد عدة طرق للقوافل التجارية والموانئ التي يعود تاريخها للقرن الرابع الميلادي، جزءاً من أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو ويُسمى “أرض اللّبان”. وهذا ما يجعل من هذه المنطقة بمثابة نقطة البداية لرحلتي.
ولكن لا يزال يتعيّن علي القيام ببعض الخطوات المغامِرة لربط الماضي بالحاضر بعد القيام برحلة قصيرة بالطائرة من فندق ذا تشيدي مسقط إلى صلالة، أهم مدينة في محافظة ظفار والتي تُعتبر وجهة ممتدة على الساحل.
المعلم الأول هو الموقع الأثري في سمهرم، الذي يبعد حوالي 40 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من صلالة، ويشتهر بموقعه على تلة مرتفعة مطلة على خور روري، وهو خليج صغير يسكنه سرب من طائر النّحام وردي اللون.
تشتهر ظُفار أيضاً بحياتها البرية الغنية. (الصورة بعدسة تانيا كوتواغا)
لكن قبل آلاف السنوات، كان هذا من المراكز المهمة للتجارة المربحة للّبان والتي بفضلها رسّخت ظفار نفسها كواحدة من أغنى مناطق العالم القديم. وفي تلك الأيام الغابرة، كانت المراكب الشراعية تمخر عباب البحر قادمة ومغادرة خور روري، الذي كان مرفأ مهيباً آنذاك. فقد تخصصت بالإتجار براتنج اللّبان الذي يتم حصده من أشجار “البوسويلية المقدسة” التي تنمو في المنطقة الداخلية من ظُفار ذات المناخ القاسي.
أصبح لموقع سمهرم مكانة قوية بفضل هذه التجارة. ويُقال أن من بين أطلال الموقع الأثري مترامي الأطراف هناك بقايا قصر صيفي يعود للملكة بلقيس المذكورة في التوراة (والتي يُرجح أنها شخصية أسطورية). أما ركام الآثار المتبقي إلى يومنا هذا فهو بعيدٌ كل البعد عن المجد الذي شهدته المنطقة في السابق، إلا أنه يُقدّم إضاءات لنا على الكيفية التي أثر بها راتنج اللّبان على أسلوب الحياة في هذه المنطقة من الجزيرة العربية على مدى آلاف السنوات.
نفحة عطرية (ولمحة) من أشجار اللّبان تجلب بعض السياح إلى ظُفار. (الصورة بعدسة جيسون جونز)
كان اللّبان بمثابة سلعة ثمينة إبان عصر نهضة سمهرم بين القرنين الرابع قبل الميلاد والخامس الميلادي. وكان اللّبان– إلى جانب الذهب والمُرّ – يُعتبر أفخر هدية بمناسبة قدوم مولود جديد وهو ما قام به المجوس الثلاثة، بحسب الأدبيات المسيحية، عند زيارة أحد الإسطبلات في بيت لحم.
وإلى جانب خصائصه المرتبة بالرائحة العطرية، كان يُعتقد أن الدخان المنبعث منه يصعد مباشرة إلى الجنة. كما كان يُنظر إلى اللّبان باعتباره علاجاً فعالاً للكثير من الأمراض، من داء البواسير وآلام الحيض، وصولاً إلى قرحة المعدة والأورام الجلدية. كما استُخدم كمادة لتسهيل الهضم، ورفع نسبة الخصوبة، وطرد الأفاعي والبعوض وأرواح الجن الشريرة.
تمتاز رائحة اللّبان بأنها قوية وتبقى لفترة طويلة. لا يمكن بعد الآن أن تُبنى الحضارات على اللّبان العُماني، إلا أن دُور العطور العالمية وشركات الزيوت العطرية لا تزال تتنافس عليه. وبينما توجد أشهر مناطق انتشار اللّبان في شبه الجزيرة العربية في عُمان، إلا أن هناك مناطق أخرى أصغر لانتشاره في أرجاء المنطقة. عقب مغادرتنا لظُفار، أختار إحدى تلك الطرق في الشارقة بعد زيارة جناح عُمان في معرض إكسبو دبي 2020.
كان اللّبان أحد الهدايا الثلاثة التي جلبها المجوس من الشرق للطفل يسوع في بيت لحم. والهديتان الثانيتان كانتا الذهب والمُرّ. (الصورة بعدسة أنوب غاج)
تعرّفتُ هناك على معلومات إضافية عن الدور الذي لعبه اللّبان لدى الثقافات البدوية المشتركة لشبه الجزيرة العربية. وفي الحقيقة، فإن الشارقة – بتاريخها الثري في مجال التاريخ – لطالما كانت سوقاً رئيسياً على مدى السنوات. أتسكّع من مكان الإقامة الفاخر في ذا تشيدي البيت وأعود بالزمن إلى قرون خلت في الأسواق الساحرة على امتداد الكورنيش.
وفي سوق العرصة، أجد نفسي في وجهة تزخر بأجمل سلع المنطقة، ولا سيما صناديق الزفاف العربية التقليدية والمطعمة باللؤلؤ، وأواني تقديم القهوة المصنوعة من النحاس، ومجوهرات تقليدية أصلية مشغولة يدوياً، وسلال من سُعف النخيل، وأعشاب طبية، وسجاد، وشالات، ومعروضات أخرى كثيرة.
وفي سوق الشناصية، تندمج الحداثة مع الثقافة الإسلامية التقليدية في الصالات الفنية والمتاجر الصغيرة. تنتهي الجولة في سوق صقر. كان هذا البازار في الماضي مركزاً إقليمياً لتجارة الذهب، وتحوّل الآن إلى وجهة لتجارة التوابل والأعشاب والعطور والزيوت. يتجمّع حشد من الناس حيث يتم وضع كيس من اللّبان في مكان مميز بين توابل مجففة أخرى. ويبدو أن ملك العطور لا يزال يتمتّع بمكانته رغم آلاف السنوات التي مرّت من فترة مجده الغابرة.
الصورة الخلفية: دأب التجار العرب على شراء وبيع اللّبان منذ أكثر من 5 آلاف سنة. (الصورة بعدسة تانيا كوتواغا)